Click Here For English Menu 

 

 

 

 

 

http://www.libyanconstitutionalunion.net  

&

http://www.lcu-libya.co.uk

بسم الله الرحمن الرحيم

 من اصدارات الاتحاد الدستوري الليبي

"أحداث يناير 1964"

كما وردت في الوثائق السرية البريطانية

( نشرت هذه النسخة الالكترونية على الانترنت بتاريخ 29 يناير 2010* )

نُشر هذا المقال التوثيقي بصحيفة الحياة اللندنية في جزئين، أفردت الصحيفة لكل منهما صفحة كاملة. وقد نُشر الجزء الأول بتاريخ 22 مايو (أيار) 1996 تحت عنوان : "دور اضطرابات 1964 السياسية في دفع القذافي إلى الحكم". ونشر الثاني في اليوم الذي يليه تحت عنوان : "الولايات المتحدة تباشر البحث عن البديل".

وقد اعتمد المقال بصفة رئيسية على تقارير البعثة الدبلوماسية البريطانية في كل من بنغازي وطرابلس إلى وزارة الخارجية ومجلس الوزراء بلندن، والتي شملت تغطية مفصلة لتلك الأحداث الدموية، وردود فعل المواطنين حيالها ، كما رصدت تلك التقارير تصرفات المسؤلين في الدولة الليبية آنذاك، وصراع مراكز القوى في تلك الفترة الحرجة من تاريخ بلادنا. كذلك فقد احتوت على تقرير في غاية الخطورة من السفير البريطاني في ليبيا (الوثيقة رقم 8) رفعه لحكومته يحثها فيه على "وجوب إعادة النظر في مخططاتها بعيدة المدى في ليبيا"، يكاد يصرح فيه علانية ببداية العد التنازلي لنظام الحكم الملكي في البلاد.

توجد نسخة مصورة (سكانر) من هذا المقال في صفحة "مقالات وثائقية" على موقع "أرشيف الاتحاد الدستوري الليبي"، ولكنها ضخمة يستغرق تنزيلها وقتاً طويلا، ولا يمكن طباعتها أو الاقتباس منها بسهولة. وقد تطوّع مؤخراً أحد قراء الموقع مشكوراً بإعادة طباعة هذا المقال الهام ليتسنّى لنا إعادة نشره بصيغة سهلة القراءة والطباعة، تمكّن المهتمين بالتأريخ لتلك المرحلة العصيبة من تاريخ المملكة الليبية من نسخها أو الأقتباس منها.

***   ***   ***

 

الجزء الأول:

قراءة في حوادث يناير 1964 الليبية من خلال الوثائق البريطانية (1 من 2)

"دور اضطرابات 1964 السياسية في دفع القذافي إلى الحكم"

"الحيـاة" : العدد رقم 12140، الصادر بتاريخ 22 مايو (أيار) 1996 الموافق 5 محرم 1417هـ

محمد بن غلبون

 

 

ان الاعتقاد السائد هو ان المملكة الليبية انهارت في بداية سبتمبر1969 حين تحركت حفنة من صغار ضباط الجيش من ذوي التعليم والتدريب المحدودين  ليقوضوا العرش السنوسي الذي كانت ترتبط به كبريات القبائل الليبية روحيا، ويجمدوا العمل بالدستور ثم يلغونه فيما بعد، ويرموا في زنزانات السجن – بدون ان تعترضهم اي مقاومة - برجال الملك واقطاب حكومته ، وكبار ضباط الجيش وقوات الامن ، والذين كانوا يمثلون في الواقع زعامات الشعب واعيانه. فهم شيوخ قبائله ذات الشوكة ، وابناء رموز جهاده ضد الاستعمار، وبكثير من طليعة مثقفيه.

 

ولكن الواقع هو ان المملكة الليبية بدأت بالانهيا ر منذ عام 1964،حين غُرر بالملك ادريس رحمه الله - وقُدمت له معلومات مشوّهة ، ونصائح مغرضة وضعته في معزل عن اجراءات تحويل الدستور الى مسخرة ، واطلاق العصبية القبلية من عقالها عمياء في خدمة مخطط جهنمي ، لتعيث في البلاد فساداً وتنتزع الشعور بالأمن والعدل والمساواة من احد قطاعات شعبها وتستبدله بمشاعر الغُبن والاضطهاد، وتُـفقِد العرش ولاءات صادقة مخلصة اثبتت الايام انه غير قادر على الاستمرار بدونها.

 

وبعد أن توفرت الوثائق الرسمية التي تؤرخ لتلك السنة فانني اقدم لقراء "الحياة" الكرام هذه القضية الهامة من واقع الملفات السرية للحكومة البريطانية والتي عرضت خلال السنة الماضية في "مكتب الوثائق العامة" بلندن ، بعد مرور ثلاثين سنة من تاريخها، لعلنا نحن الليبيون نستفيد منها لايجاد حل لمشكلتنا ومخرج من ورطتنا، أو على الاقل تجيب على بعض تساؤلاتنا وتخرجنا من حيرتنا ، وتفيد غيرنا فلا يرتكبوا حماقتنا التي جلبت علينا العواقب الوخيمة .

 

***   ***   ***

 

 

الوثيقة الأولى:

 

رسالة من مكتب السفارة البريطانية في بنغازي إلى السفارة بطرابلس (سرّي)

رقمها الإشاري: VT.1015/15 ، تاريخها 15/01/1964 ، محفوظة في ملف رقم: FO371/178855

 

كما ذكرنا في برقيتنا رقم 12 المؤرخة 14 يناير والصادرة في بنغازي ، فإن اليومين السابقين شهدا مظاهرات عنيفة في شوارع بنغازي أدت الى سقوط عدد من القتلى.

2) لقد بدأت الاضطرابات في اليوم الثالث عشرمن يناير عندما تقدمت جمعية تتألف من ستة طلاب جامعيين بطلب الى المحافط للحصول على إذن للقيام بمظاهرة بمناسبة انعقاد مؤتمر رؤساء الدول العربية في القاهرة.

وبعد القيام بمشاورات مع وزارة الداخلية ، رفض المحافظ اعطاء الإذن. إلا أن الطلاب باشروا في تنظيم المظاهرة على أي حال .

لم يستمر المتظاهرون - وكان من بينهم عدد من الطالبات - في مسيرتهم لمسافة طويلة حتى تصدت لهم قوات الشرطة ، وعندما رفضوا الانصراف أمر المحافظ قوات الشرطة باستعمال القوة . وقد تعرض بعض الطلاب لمعاملة قاسية وبدأوا في رمي الحجارة والقناني الزجاجية عندما كانوا في طريق رجوعهم الى الجامعة . وقد قامت الشرطة كذلك بإرجاع تلاميذ المدرسة الثانوية الذين تركوا فصولهم المدرسية للمشاركة في المظاهرة .

3) وقد تبعت الشرطة المتظاهرين الى داخل بنايات الجامعة حيث قامت معركة حامية الوطيس تبودلت فيها الحجارة بين رجال الشرطة والطلاب الذين تجمعوا على سطوح بنايات الجامعة . واستمرت هذه الحالة حتى العصر وفي النهاية اطلقت الشرطة عددا من العيارات النارية في الهواء، وما أن حل المساء، حتى انصرف المتظاهرون.

4) وفي أثناء الليل توفي احد الطلبة نتيجة لجروحه. ولهذا السبب وبالاضافة الى استعمال الأسلحة النارية لمحاولة اخماد الاضطرابات ، وبسبب تصرفات الشرطة الذين استعملوا العصي والاحزمة الجلدية بدون رحمة ضد أي طالب وقع تحت ايديهم، كل هذه الاسباب أدت الى اثارة المشاعر في المدينة. وفي صباح اليوم التالي بدأت اضطرابات اخرى قرب الجامعة والمدرسة الثانوية للبنين. وفي هذه المرة كانت هناك نسبة كبيرة من المتظاهرين من الرجال البالغين - ويبدو أنهم من أقارب الطلبة - واستعمل رجال الشرطة للمرة الثانية الأسلحة النارية مع الذخيرة الحية . وفي العصر تجمع حشد من العامة في ميدان التاسع من أغسطس وبدأوا بالهجوم على المتاجر والمكاتب الموجودة في المنطقة وأخذوا بتكسير زجاج نوافذها، ومن ضمن ذك بناية مصرف باركليز والمركز الثقافي الأمريكي. وأحرقت عدد من السيارات وعندما جاءت.سيارات الاطفاء لمعالجة الحريق أخذ المتظاهرون بمطاردتها حتى تصدت لهم مفرزة من القوة المتحركة فتشتتوا بعد أن أطلقت هذه المرة نيران اسلحتها عليهم .

5) تزايدت مشاعر الناس استثارة ، وليس هناك عدد ثابت لقتلى. ((..........))

6) لقد عالجت السلطات المحلية الموضوع كله علاجا سيئا منذ اللحظة التي قررت فيها حظر المظاهرة. ففي مناسبات سابقة وشبيهة بهذه سُمح بمظاهرات تحت اشراف ومراقبة صارمة من قبل الشرطة ، وبعد أن عبر الطلاب عن شعورهم تفرّقوا بصورة سلمية.  لهذا فإنه لمن المحزن حقا أن يؤدي تخبط الشرطة في محاولتها لمنع المظاهرة الى انفجار الموقف وحدوث الوفاة. بالاضافة الى كل ذلك فإن هذه الحادثة ستصبح في المستقبل خطرا في مجال التعبير الشعبي عن الاستياء كونها الاولى من نوعها، وسيُعتبر هؤلاء الذين ماتوا شهداء في سبيل القضية.

7) تعرضت تصرفات الشرطة لكثير من النقد اللاذع ويبدو أنه كان هناك غياب في التوجيهات الصارمة من القيادة العليا.

ان العميد الجيلاني ، الذي تولى منصب قيادة قوات الامن في برقة منذ مغادرة الفريق بوقويطين الى طرابلس ، هو رجل مكتب أكثر من تمرسه في قيادة عمليات الشرطة. ويقال أنه طلب تدخل السيارات المدرعة من القوة المتحركة المتمركزة في بنينة، كما طلب تدخل وحدات الجيش الليبي. ومن حسن الحظ أنه لم يُجب على طلبيه .

وقد تم اعلام قائد البعثة العسكرية البريطانية من قبل العقيد شمس الدين السنوسي،  القائم بأعمال رئيس أركان الحرب ، بأن الجيش أُمر بعدم التدخل إلا في حالة صدور أوامر مكتوبة من مجلس الوزراء.

ويبدو أن قوات الشرطة في الشارع كانت تتصرف بدون توجيهات واضحة من القيادة . ففي عصر اليوم الاول اشتبكت مع الطلاب الجامعيين في مباراة لرمي الحجارة  كانت غير ذات جدوى وانتهت بفشل الشرطة ، كما كانت لديهم قنابل الغاز المسيل للدموع ولكنهم لم يستطيعوا استعمالها لعدم حملهم للاقنعة الواقية من الغاز. إلا أن استعمال الذخيرة الحية والضرب القاسي بالاحزمة الجلدية والعصي الذي تعرض له أطفال صغار العمر وأشخاص لم يشتركوا في المظاهرة هو ما أثار غضب الناس .

والظاهر أن قوات الشرطة [القوة المتحركة] دخلت بناية المدرسة الثانوية وأخذت بضرب عدد من التلاميذ والمدرسين الذين كانوا يقضون فترة الاستراحة الصباحية. وكما يبدو واضحا من خلال مراجعة حالات الطوارئ فإن العيارات النارية لم تطلق كلها في الهواء. فقد لاحظ ضابط بريطاني شرطيا وهو يهدّف بصورة عمدية نحو تلميذ ثم يرميه. ونتيجة لكل ذلك فقدْ فقدَ الشعب ثقته في قوات الأمن ، ولكن الجيش الذي لم يُستعمل لحد الان ضد المتظاهرين لا يزال يتمتع بالشعبية .

8) بالرغم من أن بعض الناس ادعوا بأنهم سمعوا هتافات ضد الملك ، ولكن ليس هناك ما يدل على أن المتظاهرين كانوا ضد الملكية بصورة قصدية ، فإن الشعارات التي حملها الطلاب في مظاهرتهم في اليوم الاول كانت تؤيد جامعة الدول العربية والوحدة العربية وتطالب بإرجاع فلسطين الى العرب. ومما لا شك فيه أنه كانت هناك خيبة أمل بسبب عدم تمكن الملك من حضور مؤتمر القاهرة بنفسه، ولكن الاضطرابات التي حدثت في اليوم الخامس عشر من يناير كانت في الاغلب رد فعل لاعمال الشرطة في اليوم السابق.

9) وكما ذكرنا سابقا فإنه ليس هناك من الادلة مايشير الى أن المتظاهرين كانوا يضمرون العداوة والكره للاجانب ، وما حدث من تخريب لبنايات مصرف باركليز والمركز الثقافي الامريكي كان بسبب موقع تلك البنايات في المنطقة التي حدثت فيها الاضطرابات. وللجيش البريطاني في نفس المنطقة عدد من المكاتب والمجمعات السكنية ونادي. وقد توقفت كل اعمال الجيش البريطاني غير المهمة. وبطلب منا فقد تم اصدارتحذير الى كل المدنيين البريطانيين بتجنب الذهاب الى مركز المدينة إلا في الضرورة القصوى، وقد اذيع هذا التحذير في محطة اذاعة القوات البريطانية. وبالإضافة الى ذلك فقد بادرنا بغلق قاعة المطالعة في الوقت الحاضر.

10) في الوقت الذي نكتب فيه هذا التقرير لا يظهر هناك أي وجود لمشاكل في الشوارع ، هذا مع العلم بأن بعض الجماعات بدأت تتألف وتتكتل مرة اخرى. وفي الليلة الماضية كان هناك حظرا للتجول. وقد اغلقت الجامعة وكل المدارس في بنغازي بأمر وزاري الى حين اشعار آخر. وهذه هي المرة الاولى التي تستعمل فيها قوات الشرطة الأسلحة النارية لاخماد الاضطرابات في شوارع بنغازي. وفي اليوم الاول من الاضطرابات قالت سيدة بريطانية تسكن بنغازي منذ وقت طويل بأنه هذه هي المرة الاولى خلال الأربعة عشر سنة الماضمة التي يستعمل فيها المتظاهرون الحجارة. وبالتأكيد فإن نتيجة ارتباك اليومين الماضيين هو فشل قوات الشرطة وانهيار أواصر الثقة بينهم وبين الشعب .

سنبعث نسخة من هذا التقرير الى مكتب شمال وشرق افريقيا في لندن" [انتهى الاقتباس من الوثيقة الأولى]

 

***   ***   ***

الوثيقة الثانية

 

تقرير سري من مكتب السفارة البريطانية في بنغازي إلى السفارة بطرابلس

رقمها الاشاري: 1016/64 ، تاريخها: 1964/1/22  ،   محفوظة في ملف رقم : FO371/178855

 

"يرجى الرجوع الى رسالتنا المؤرخة 15 يناير بخصوص الاضطرابات في بنغازي.

2) الوضع في بنغازي هادئ في الوقت الحاضر. وقد اطلق رجال الشرطة الرصاص في الهواء لعدة ليال بعد وقوع الاضطرابات الرئيسية فى بنغازى لتفريق جماعات صغيرة من الناس ، وقد تم عقد اجتماع عام نتج عنه القيام باضراب شامل واغلاق المتاجر منذ منتصف يوم الخميس 16 يناير.

بقيت الخدمات العامة المهمة مستمرة ، ولكونه شهر رمضان فإن متاجر البقالة الواقعة خارج مركز المدينة قد فتحت ابوابها لفترة قصيرة. وقد بدأت الامور بالرجوع الى مجراها الطبيعي تقريبا في يوم 18 يناير.

ولكن الجامعة والمدارس ، ومن ضمنها مدرسة الجالية البريطانية بقيت مغلقة بأمر من وزارة المعارف وستبقى كذك حتى اشعار آخر.

أرسل طلاب الجامعة (القسم الداخلي) الى بيوتهم ، وليس من المتوقع ان تفتح الجامعة ابوابها الا بعد عيد الفطر الموافق لليوم الخامس عشر من فبراير. وفي التاسع عشر من يناير اجتمع مدراء ومدرسي المدارس الليبية في بنغازي وقرروا عدم الرجوع الى اعمالهم الا بعد انزال العقاب بالمسؤولين عن سوء التصرف .

3) لم يظهر اي تقرير رسمي بخصوص عدد الاصابات التي حدثت نتيجة للاضطرابات ، ولعل ذك يعتبر شيئا غير ذا اهمية الان. وقد نُشرت اسماء اثنين من الطلاب المقتولين ، و بعث الملك بتعازيه الى عوائلهم.

4) وصلت الى بنغازي في اليوم الخامس عشر من يناير هيئة وزارية للتحقيق مؤلفة من كل من : احمد فؤاد شنيب وزير المعارف ، وحامد العبيدي وزير التخطيط ، ومحمد الكريكشي وزير الصناعة ، وعلي العنيزي وزير شؤون النفط. وقد قابل هؤلاء عددا من المسؤولين ووجهاء المدينة وحضروا احد مجالس العزاء، واصدروا نداءا ناشدوا من خلاله الناس بالرجوع الى اعمالهم الطبيعية .

وفي اليوم الثامن عشر من يناير وصل المدعي العام من طرابلس ليشرف بنفسه على سير التحقيقات الرسمية. وفي اليوم التاسع عشر من يناير أعلن عن ايقاف عدد من ضباط الشرطة من وظائفهم الى حين ظهور نتائج التحقيقات . وهم العقيد السنوسي الفزاني قائد القوة المتحركة ، والعقيد عبدالونيس العبار آمرشرطة بنغازي ، والنقيب سليمان بوشعالة من شرطة المرور، والنقيب حمد حسين ، والنقيب سالم هدية، وكلاهما من مركز شرطة البركة.

وقد انتـُقـد هؤلاء الضباط ، وبالأخص منم الفزاني وبوشعالة لتصرفاتهم. وليست هناك اية دلائل تشير الىاستعادة المواطنين لثقتهم بقوات الأمن ، وقد اختفت تقريبا قوات الشرطة من الشوارع ماعدا الحراسة القوية على مراكز الشرطة، وبعض شرطة المرور.

5) ان التضامن العام في انتقاد السلطة عال جدا ، ولقد ضمت مجموعة الوجهاء التي التقت بالهيئة الوزارية ، وكذك "اللجنة الشعبية" التي تألفت بعد ذك لتقديم شكاوى اهالي بنغازي الى الملك ، ضمت هَتان الجماعتان ممثلون عن الشرائح المختلفة لأهالي المدينة وشخصياتها البارزة. وكذك نواب البرلمان الذين يمثلونها ومن بينهم نائب البركة المتهور محمد بشير المغيربي الذي لم يسلم هو الاخرمن اثار الاضطرابات فقد كُسر زجاج متجره واحرقت سيارته. وهناك ظاهرة مهمة اخرى وهي ان الصحافة المستقلة سُمح لها بالتعبير عن انتقاداتها. ولم تظهر الصحف حتى اليوم التاسع عشر من يناير ولكن صحيفتي "العمل [1] ، و "سيرينايكا ويكلي نيوز" (تصدر بالانجليزية) ظهرتا في ذلك اليوم وقد وجهت كل منهما الانتقادات لطريقة معالجة الأحداث.

6) انه مما لا شك فيه بأن أهالي المدينة قد فقدوا الثقة بالشخصيات البرقاوية في قوات الأمن والتي كانت تعرف بـ "قوة دفاع برقة " ونحن في انتظار مشاهد كيفية استعمال البعض للاحداث ضد مصلحة بوقويطين. ويجدر بالذكر هنا غياب بوقويطين ، بدون تعليل ، طوال الفترة الحرجة.

سنبعث بنسخة من هذا التقرير إلى قسم شمال أفريقيا (في لندن)". [انتهى الاقتباس من الوثيقة الثانية]

 

***   ***   ***

الوثيقة الثالثة:

 

برقية داخلية من السفارة بطرابلس إلى وزارة الخارجية ومجلس الوزراء في لندن

رقمها الاشاري: VT.1015/20، تاريخها: 1964 /1 / 23،   محفوظة في ملف رقم : FO371/178855

 

 

"مظاهرات طرابلس:

في خلال يومي الثالث عشر والرابع عشر من يناير تظاهر طلاب وطالبات المدارس الابتدائية والثانوية في طرابلس تعبيرا عن تأييدهم لمؤتمر القمة العربي المنعقد في القاهرة . وقد بدت المظاهرات هادئة نسبيا وقوات الأمن متحكمة في سيرها. وقد كان المتظاهرون يهتفون بشعارات مثل "فلسطين عربية"  و "تسقط اسرائيل"

وبعد ان وصلت اخبار حوادث بنغازي بدأت طبيعة هذه التظاهرات بالتغير وبالرغم من انها بقيت مقتصرة على طلاب المدارس الابتدائية والثانوية الا انها اصبحت موجهة ضد اعمال قوات الامن في بنغازي وقد سمعت هتافات مثل "يسقط بوقويطين" ، كما قوبلت محاولات قوات الامن لتفريق المتظاهرين برمي الحجارة فأجابت تلك القوات بضرب المتظاهرين بالعصي وتوجيه خراطيم المياه عليهم .

استمرت المظاهرات في اليوم الثامن عشر من يناير وطالب المتظاهرون بعزل بوقويطين عن منصبه ، كما سُمعت هتافات مؤيدة لعبدالناصر.

في اليوم التاسع عشر من يناير نشرت جريدة البلاغ المستقلة في طرابلس لأول مرة تفاصيل احداث بنغازي ، وفي اليوم العشرين من يناير تضخم حجم المظاهرات واصبحت اكثر خطرا. فقد تجمع في الصباح حوالي اربعمائة متظاهر امام مقر رئيس الحكومة الدكتور محي الدين فكيني، الذي خطب فيهم واخبرهم بأن التحقيقات في احداث بنغازي قد بدأت بالفعل وطلب منهم التحلى بالهدوء والسكينة وان يمتنعوا عن خلق المزيد من الاضطرابات. ولكن طلبه هذا لم يجد اذانا صاغية ، فقد استمرت المظاهرات خلال عصر ذلك اليوم وامتدت الى اليوم التالي الموافق للحادي والعشرين من يناير.

في اليوم الحادي والعشرين كسر المتظاهرون زجاج بعض المحلات وسببوا اضرارا لعدد من السيارات  وقد اضطرت قوات الامن لاستعمال الغازات المسيلة للدموع لتفريقهم.

بدأت الحالة تهدأ في اليوم الثاني والعشرين وفتحت المحلات الواقعة على الشوارع الرئيسية ابوابها مرة أخرى، أما المدارس فستبقى مغلقة بأمر من الحكومة الى اليوم الخامس والعشرين .

لازال الوضع في هذا اليوم هادئا ولكن التقارير تشير الى وجود تعزيزات قوية من الشرطة على اهبة الاستعداد للتدخل في حالة تحرك المزيد من المظاهرات التي قد توجه ضد الحكومة الجديدة ". [انتهى الاقتباس من الوثيقة الثالثة]

 

***   ***   ***

نعم الحكومة الجديدة ! :. فقد اذيع رسميا قبول الملك "استقالة"الدكتور محي الدين فكيني، وتكليفه لمحمود المنتصر بتشكيل حكومة جديدة .

وعلى الرغم من ان تغيير الحكومة لم يكن له اي علاقة بأحداث بنغازي ، فقد كان متوقعا في الاوساط السياسية لتمادي فكيني في دعم سياسة عبدالناصر، ودفعه بالمملكة -  خلافاً لسياسة الملك - في اتجاه التيار القومي الذي ساد المنطقة في تلك الايام وبلغ الذروة في جهوده اثناء مشاركته في مؤتمر القاهرة. الا ان التفسير الوحيد الذي فرضه توقيت "الاستقالة"على اغلب قطاعات الشارع الليبي هو ان الملك قد اختار جانب قبائل برقة ضد اهالي بنغازي، لذلك ابعد رئيس الحكومة ، الجاد في التحقيقات والمصر على عدالتها ، والذي لم يكن يهاب القبائل. اما المحبين الذين نزّهوا الملك عن التحيز لغير العدالة فقد تحققوا من عزلتة عن مجريات كثير من الاحداث. تلك العزلة التي كانت قبل ذلك مجرد اشاعات تحوم ضد بعض ابرز شخصيات الديوان والحاشية. وقد سجلت الوثائق الرسمية تلك العزلة في الوثيقة المحفوظة في نفس الملف تحت الرقم الاشاري VT.1015/28 والمؤرخة  29/1/ 1964 حيث كتب المستر لورنس ، سفير بريطانيا في واشنطن، لحكومة بلاده مُسجلا ما دار بينه وبين المستر ديفيد نيوسم فى واشنطن مايلى:

"تلبيه لطلب المستر نيوسم ، التقيته بتاريخ 27 يناير 64 خارج المؤتمر الرئيسي لمناقشة شؤون ليبيا. تم اللقاء بحضور كل من المستر بليك (نائبه) ، والمستر ماكلنهان (الضابط المسؤول عن شعبة ليبيا).

2) ابتدأت بالاشارة الى السؤال الذي قدمه المستر نيوسم الى السفارة خلال المحادثات الاولية عن ليبيا ، ومضمونه الاستفسار عن ماهية الاتصالات الاخيرة بين سفير جلالة الملكة والملك ادريس . قلت بان السيد ستيوارت لم يتمكن من لقاء الملك بصورة منتظمة وذلك للصعوبة المتزايدة في التوصل به ((.......)) " [انتهى الاقتباس]

ولإعطاء القارئ صورة اوضح تمكنه من استيعاب مدى حساسية احداث بنغازي، يجب ان نشرح الوضع الخاص لأهالي تلك المدينة في اقليم برقة ، والمعروفين  محليا باسم "عرب بنغازي" أو "الحضور". وقد وجدت في رسالة كانت قد نشرتها "الحياة" في العدد رقم 11518 بتاريخ  31/8/1994 لناجي مصطفى عبدالرحيم بعنوان "قبائل ليبيا". ما يغني عن أي مجهود اخر، جاء فيها:

ن أصل عرب بنغازي و عرب درنة من قبائل غرب ليبيا الذين استنجد بهم السعادي اثناء حربهم مع أولاد علي في القرن الثامن عشر الميلادي وقد جاؤا تلبية لنداء حليفهم شيخ السعادي "حبيب بن عبدالمولى الأبح" لنصرته ضد اولاد علي بعد ان تغلبوا على "السعادي" وقد عرف حضورهم الى برقة في التاريخ بـ "تجريدة حبيب".  وبعد ان حسمت تلك الحرب لصالح "السعادي" وأجلوا "اولاد على" الى ما بعد "عقبة السلوم" أصروا على اخوانهم من قبائل الغرب المكوث معهم في برقة ومجاورتهم بها خوفا من رجوع ولاد علي" ومن سطوتهم المعروفة. ولتشجيعهم على البقا ء تنازل سكان برقة الاصليين لانصارهم من قبائل "التجريدة" عن مدينتي بنغازي ودرنة تنازلا كاملا على ان يشترك عرب درنة مع "العبيدات" المحيطين بالمدينة في المراعي واراضي الحرث ويشترك عرب بنغازي مع "العواقير" المحيطين بالمدينة في مراعيهم واراضي حرثهم.  واستعرض هنا قبائل عرب بنغازي ((......)).

ينقسم عرب بنغازي الى اربعة اقسام رئيسية هي "كراغلة"  و"رابطة الاشراف" و "ذكيران" و "حاشية.

والذكيران هم قبائل "الشويخات" و"سور جابر" و"العقيب" و"بلالة". والحاشية هم قبائل "قصرحمد" و"كوافة" و"زمورة" و"قزير" و"يّدر". ولاشراف" هم قبائل "اولاد الشيخ" و"الفواتير" و´"خدّام الزروق".  وكل هذه القبائل من الفروع الثلاثة من اصل عربي يرجع الى "بني سليم". أما القسم الرابع، "الكراغلة" فهم ابناء الأتراك العثمانيين من امهات ليبية ((......))

ان وضع عرب بنغازي وعرب درنة الذي يجعلهم "برقاويين" و "عرب غرب" في نفس الوقت يمكنهم من التأثير في العلاقات الداخلية ويكسبهم اهمية دبلوماسية محلية وقاعدة تجارية واسعة ((....)).[انتهى الاقتباس من هذه الرسالة [2]

وبعد الاستقلال بفترة، واستتباب الامور للسلطة الوطنية ،  بدأت شرائح المجتمع الليبي في التنافس الطبيعي على مراكز الثقل والنفوذ، ومع اكتشاف النفط وما صحبه من رواج اقتصادي مفاجئ وسريع رسّخ وضخّم وضع بنغازي كعاصمة برقة واهم مدنها سياسياً واقتصاديا. شعرت بعض القبائل البرقاوية ان التجربة الدستورية تكبلها، وبدأت طبيعة ذلك التنافس في التغير .ولم تنته سنة 1962 الا وقد سيطرت شخصيات القبائل البرقاوية المعروفين محليا باسم "البوادي" على أغلب المناصب المهمة في "قوه دفاع برقة" وجُعلت "القوةالمتحركة"، التي كانت اهم القوات في المملكة وارقاها تدريبا واحدثها تسليحاً حكرا على رجال القبائل واستحال الانخراط فيها على "عرب بنغازي" الذين لاقوا منذ بداية الستينات معاملة قاسية ومتحيزة لـ "البوادي"  في مراكز شرطة "قوة دفا ع برقة".

***   ***   *** 

الوثيقة الرابعة:

 

برقية من مكتب السفارة البريطانية في بنغازي إلى السفارة في طرابلس (سرّي)

رقمها الإشاري: 1014/64، تاريخها 25/01/1964 ، محفوظة في ملف رقم: FO371/178855

 

"اعزاءنا :

ان ردود الفعل الاولية في بنغازي لتشكيل محمود المنتصر لحكومة الجديدة خالية من الحماس . فشعور الناس ممزوج بكون المنتصر هو الاخر طرابلسي، في الوقت الذي يعتقد البرقاويون بان الوقت قد حان لأن يتولى شخص منهم هذا المنصب .وفي رأيهم ان الفترة الاولى لرئاستة للوزارة جاءت بقليل من النتائج الجديرة بالذكر((....)) . ومما يثيرقلق الناس هو انه سوف لن يتابع مجريات التحقيق في حوادث بنغازي بنفس الصرامة التي اتبعها سلفه، وان سير هذه التحقيقات ستفقد جديتها تدريجيا ويفلت المسؤولون عنها بدون عقاب.

2) يشير الناس بمرارة الى حسين مازق (وزير الخارجية) وونيس القذافي (وزير العمل والشؤون الاجتماعية ). فقد حكم حسين مازق برقة بصرامة لمدة تسع سنين عندما كان واليا عليها ، يساعده ونيس القذافي بصفته رئيسا للحكومة البرقاوية. وبالرغم من نزاهتهما ، فان الفساد والظلم قد شاعا في تلك الفترة ، ولذلك لم تأسف عامة الناس على ذهابهما، وهي ليست سعيدة لرجوعهما الان .

ومن المسلم به فان القبائل سيعمها السرور بتعيين مازق وهم يعتقدون بوجوب توليه منصب رئاسة الحكومة .

3) هناك تخمينات كثيرة حول سبب رحيل فكيني ، اكثرها رواجا ان الملك قد لبىّ اخيرا طلب فكيني القديم في الاستقالة. ومما يدعم هذه النظرية هو ان رسالة استقالة فكيني لم تكن مؤرخة في المرسوم الملكي الذي اعلن عن قبولها .

ويعتقد كذلك ان السبب الرئيسي هو رفض الملك لطلب فكيني الملح بوجوب الاستجابة للطلب الشعبي بعزل بوقويطين من منصبه وبحل لقوة المتحركة" أو ضمها الى الجيش .

4) بالرغم من ان اهالي بنغازي كانوا شديدي الانتقاد لفكيني عندما كان في منصبه ، الا انهم الان يشعرون بالاسف على رحيله. ويعتقدوا انه كان رئيسا جيدا للوزارة، لا خلاف على نزاهته و حسن نيته "[انتهى الاقتباس من الوثيقة الرابعة].

***     ***     ***
**   **   **
*  *  *
*

 

الجزء الثاني:

قراءة في حوادث يناير 1964 الليبية من خلال الوثائق البريطانية (2 من 2)

"الولايات المتحدة تباشر البحث عن البديل"

"الحيـاة" : العدد رقم 12141، الصادر بتاريخ 23 مايو (أيار) 1996 الموافق 6 محرم 1417هـ

 

 

نشرنا في الأمس خمس وثائق تتعلق بحوادث 1964، وننشر اليوم خمس وثائق أخرى.

 

الوثيقة الخامسة

 

تقرير من مكتب السفارة البريطانية في بنغازي إلى السفارة في طرابلس (سرّي)

رقمها الإشاري: 1014/64، تاريخها 29/01/1964 ، محفوظة في ملف رقم: FO371/178855

"ااعزاءنا في السفاره ،

كما اشرنا بصورة موجزة في رسالتنا المرقمة  64/1014 والمؤرخة في 26/1/1964 ،  فإن طالبا ثالثا قد مات في الاسبوع الماضي من اثر الجروح التي اصيب بها خلال حوادث يومي الثالث عشر والرابع عشرمن يناير. وقد شيع جثمانه في اليوم الخامس والعشرين. وكان هناك عدد كبير من المشيعين ، ولكن مراسم التأبين تمت بطريقة نظامية ، حث فيها الخطباء الناس بالالتزام بالهدوء.

لم نستلم اية تأكيدات لاخبار سابقة مفادها ان هناك من كان يطالب بعزل بوقويطين عن منصبه . 

2) في اليوم الخامس والعشرين من يناير اصدرت "اللجنة الشعبية" التي تأسست بعد الحوادث بيانا أذيع لعدة مرات . وقد ذكر البيان ان الوفد الذي أرسل لتقديم مذكرة الى الملك تحتوي على مطالب الناس ، تمكن من مقابلة الملك في اليوم الثالث من رمضان (الموافق لليوم التاسع عشر من يناير) ، وان الملك تعاطف مع طلبات الشعب واعرب عن اسفه لما وقع من حوادث في بنغازي. كما عبر عن تقديره وثنائه على الانضباط الذي تحلت به الجماهير،  واكد على اهتمامه بأن تاخذ العدالة مجراها حتى تظهر الحقيقة ويعاقب المعتدون .

واستمر البيان بالقول بانه بعد تأسيس الحكومة الجديدة فان "اللجنة" بعثت ببرقيات الى كل من رئيس الوزراء ووزير الداخلية ، ودعت الوزير الى زيارة بنغازي ليتعرف بنفسه على مشاعر الناس وطالبت ايضا بتحقيق عاجل للمطالب الشعبية التي احتوتها المذكرة .

واخيرا فان المذكرة حثت الناس على التزام الهدوء والسكينة ، وكررت توكيدها على المطالب السابقة واعطت الحكومة الجديدة بضعة ايام ليستجيب لهذه المطالب.

3) لحد الان لم يقم رئيس الوزراء بزيارة بنغازي كتلبية لطلب "اللجنة" ولكنه عين هيئة وزارية اخرى لتقوم باجراءات التحقيق تتألف من وزراء العدل والتعليم ووعد "اللجنة" بأن حكومته مصممة على تحقيق العدل وعدم التفريط في حقوق البلاد والمواطنين.

ليست لدينا الدلالات القاطعة عن ماهية مطالب "اللجنة الشعبية" التي قـُدمت للملك ، ولكن كما جاء في.رسالتنا المؤرخة في السادس والعشرين من يناير فان المعلومات المتوفرة لدينا تشير الى انها طالبت بمعاقبة المسؤولين عن اطلاق الرصاص ، (وبالاخص ضباط الشرطة ) والى حل "القوة المتحركة"او نقل قيادتها الى الجيش.

4) لازالت المشاعر متهيجة فقد نشرت صحيفتي "العمل" و "سيرينايكا ويكلي" مقالات انتقدت فيها قوات الشرطة بشدة، وقد استمع اهالي بنغازي بصبر الى تصريح رئيس الوزراء الصادر في السابع والعشرين من يناير،  والذى حذر فيه اولئك الذين يحاولون انتهاز فرصة تظلم الناس ، وهدد باتخاذ اجراءات مشددة ضدهم . ولكن ندا ء وزير الاعلام للعودة الى الاصول الديمقراطية في التعبير عن الشكاوي ، وادعائه ان المشاكل التي حدثت اخيرا لم تمثل الاغلبية العظمى لليبيين قوبل بشعور ملئ بالشك. وعلى كل حال فان الحث على التحلي بالهدوء والسكينة بدأ يأخذ مفعوله ، وأن بنغازي لازالت هادئة .

بقيت معظم قوات الشرطة في معسكراتها ، ولازالت علاقتها مع الشعب لم تتحسن بعد، الا ان عدد رجال الشرطة بدأ يزداد قليلا في الشارع .

وقد كان المحافظ ، والذي زاره القنصل العام (البريطاني) في اليوم الثامن والعشرين ، كان واثقا من قدرتهم على التدخل السريع لفض الاضطرابات اذا ما نشبت مرة اخرى،  واكد على قدرة السلطات على حماية الاروا ح والاملاك الاجنبية. وقد كان صريحا وواقعيا بخصوص العداء الظاهر للشرطة، وقد كرر عدة مرات بان الشعب يعتبر قوات الشرطة عدوّة له .

5) من الملامح التي تثير القلق هي العودة الى بيع الاسلحة الخفيفة في السوق السوداء. وقد تعود مواطنوا برقة دائما على الاحتفاظ بعدد كبير من الاسلحة الخفيفة ، ولكن هناك شائعات مفادها ان دفعة من الاسلحة وصلت اخيرا من طرابلس وتم توزيعها.

وقد علمنا انكم استلمتم تقريرا من مصدر موثوق به مفاده ان ليس هناك مايدل على وصول دفعة كبيرة. الا ان ما يمكن الجزم به هنا هو نشاط التجارة في الاسلحة الخفيفة في الوقت الحاضر.

6) على الرغم من انه ليس هناك تصريح رسمي، فان تقرير المقدم جبريل صالح بان العميد الجيلاني قد اعفي من منصبه الى حين ظهور نتائج التحقيقات الرسمية يبدو صحيحا .

لقب الجيلاني الرسمي هو مساعد قائد قوات الامن المسؤول عن أمور الادارة. ولكنه في الواقع يصبح قائدا لقوات الامن في حالة غياب بوقويطين. وقد استبدل الجيلاني بالعقيد مفتاح منصور الذي شغل منصب أمر منطقة المرج منذ الفترة التي اعقبت حدوث الزلزال فيها .

7) هناك بعض الاقتراحات التى مفادها ان بوقويطين نفسه كان هدف التغييرات الادارية. وقد سافر بوقويطين في الايام القليلة الماضية مباشرة من طرابلس الى البيضاء بطائرة خاصة. وحسب المعلومات المتوفرة لدينا فانه لازال في مكتبه وبزيه الرسمي ورتبته يرد على التلفون ويستقبل الضيوف.

ان انتقاله المفاجئ الى البيضاء، والذي يبدو غريبا في ظل الاوضاع الدائرة في طرابلس وبنغازي ربماكان له علاقة بخبر مفاده ان الملك ينوي الرجوع الى طبرق في خلال يوم او يومين .

8) الملاحظ ان بنغازي الان مليئة بالاشاعات ((.....)).

9) نعود الان الى عالم الواقع :نشرت جريدة "برقة الجديدة" نص البرقية التي بعثتها قبيلة العواقير الى الملك. وتسكن هذه القبيلة في الاراضي المحيطة ببنغازي والممتدة بين توكرة وسلوق. وقد كانت البرقية موجهة الى كل من رئيس الوزراء ورئيس مجلس الشيوخ ورئيس مجلس النواب ومحافظ بنغازي. وقد ضمت هذه البرقية توقيعات عبدالحميد العبار (رئيس مجلس الشيوخ )، وجربوع الكزة (نائب منطقة سلوق في البرلمان ) ، وعبدالقادر البدري (وزير سابق تحت كعبار وبن عثمان) وسليمان العبدلي، نيابة عن250 من شيوخ القبيلة ووجهائها.

وبعد ان أعربوا عن اسفهم لحوادث بنغازي، اعلنوا عن تضامن قبيلتهم ضد محاولات هؤلاء الذين يحاولون استغلال الموقف من اجل النيل من العرش والاستقلال. وطالبوا بتوسيع نطاق التحقيقات الرسمية لتشمل وزارة الداخلية ، وعزل من يسعوا الى "تفريق صفوفنا".

10) بالاضافة الى كونها تأكيدا واضحا لدعم القبيلة للملك ، فان البرقية تعتبر محاولة لتبرأة العقيد عبد الونيس العبار(قائد منطقة بنغازي الموقوف من العمل ، وهو عقوري)، وتجريم ونيس القذافي الذي كان وزيرا للداخلية في حين وقوع حوادث بنغازي.

ان البرقية جاءت تأكيدا للموقف الذي اعتمدته القبائل. وحسب معلوماتنا فان القبائل الاخرى تستعد لتأييد العواقير.

هناك تقارير تفيد بأن شيوخ القبائل قد زارت بنغازي للتحذير من وقوع حوادث اخرى. وقد كانت هذه الزيارة بمثابة محاولة لمنع المتربصين للفرص ليجعلوا من انفسهم ابطالا شعبيين .

سنبعث بنسخة من هذا التقرير الى قسم شمال وشرق افريقيا" [انتهى الاقتباس من الوثيقة الخامسة] .

 

 ***   ***   *** 

وهكذا اخذت الاحداث منحىً آخر، فمشايخ العواقير، في سعيهم لتنصيل عبدالونيس العبار من المسؤولية عما حدث ، وصموا إصرار اخوتهم "عرب بنغازي" على تنفيذ القانون وانزال العقاب بالجناة وجعلهم عبرة لغيرهم بأنه تفريق للصفوف ونيل من العرش والاستقلال. وبدأت مزايدات "الولاء" على حساب دماء اطفال المدينة. ويُدان ولوع "عرب بنغازي" المفرط بالتقليعة الحزبية التي اجتاحت البلاد في ذلك الوقت تماما كما تُدان العصبية القبلية البرقاوية على دوريهما في اجهاض التجربة الدستورية الليبية. فعلى الرغم من صحيّة ظاهرة تعدد الاحزاب السياسية في اي مجتمع حضارى معاصر فإن حزبية "الحضور" كانت متنافرة مع التجربة الوطنية في تلك المرحلة الهشة من عمرها. فقد تشرذمت طليعة شبابهم المتعلم ، في غيبة تامة عن واقعهم الاجتماعي والاقليمى ببُعد التطلعات القومية ، في احزاب مستوردة الافكار.

كما ان سهولة تأثرهم بخطابات الرئيس جمال عبدالناصر والتي كان البعض يتباهى بحفظها عن ظهر قلب ، واعتناقهم لسياساته ومبادئه بدون تحفظ ولا تمييز، والتأثير الخطير لافتتاحيات محمد حسنين هيكل ، واذاعة  "صوت العرب" عليهم جعل الحكومات المتعاقبة تتوجس منهم وتراقبهم دائماً بعين الحذر وتتعامل معهم بشك وريبة.

***   ***   ***

الوثيقة السادسة:

 

من مكتب السفارة البريطانية في بنغازي إلى السفارة في طرابلس  (سرّي)

رقمها الإشاري: 1014/64، تاريخها 5/02/1964 ، محفوظة في ملف رقم: FO371/178855

 

"منذ الرسالتين اللتين بعثناهما بتاريخ 29 يناير، فإن الوضع الداخلي في برقة قد بقى هادئأ ، وان كان لا يخلوا من أحداث.

2) نشرت الصحف اعدادا كبيرة من برقيات الولاء التى ارسلتها القبائل البرقاوية الى الملك ، والتي تستنكر فيها الاضطرابات الاخيرة وتدين اولئك الذين يسعون الى استغلال الوضع لمصالحهم الخاصة. ونهجت المقالات الافتتاحية نفس المنهج وبالاخص "سيرينايكا ويكلي نيوز"، فقد شجبت اعمال التخريب في ولاية طرابلس التي أعقبت مظاهرات الطلاب في مدينة طرابلس والتي كانت تعتبر مجالا للتعبير عن مشاعرهم المخلصة .

3) توفي إثر سكتة قلبية العقيد مفتاح منصور العقوري، وهو الضابط الذي عين ليحل محل العميد الجيلاني، الذي عمل منذ رجوع بوقويطين الى برقة كقائد لمنطقة بنغازي (كبديل لعبدالونيس العبار الذي تم ايقافه عن ممارسة سلطات منصبه). وكان بوقويطين من بين الذين حضروا حفل التشييع في المرج .

ويقال انه في خلال حفلة التأبين حذّرت قبيلة الدرسة بوقويطين من انه اذا حصل أي شئ الى النقيب حمد حسين ، وهو من نفس القبيلة ، فانه (أي بوقويطين) سيكون اول من يدفع الثمن .

4) وهناك مايدل على حدوث اعمال استفزازية.  فقد ذهب في الساعات الاولى من صباح يوم 30 يناير شخص مجهول الى منزل محمد طلوبة (كرغلي) وطلب مقابلته وعندما فتح اخوه الباب أُطلِق عليه الرصاص وأصيب بجراح بليغة. وطلوبة هو سكرتير المجلس البلدي (لمدينة بنغازي) وعضو االلجنة الشعبية واحد الشهود ضد حمد حسين .

5) في اول فبراير ظهر حمد حسين ، الذي كان في السجن ، ظهر لفترة وجيزة في المحكمة ليستمع رسميا الى تمديد مدة سجنه الى فترة 45 يوما اضافية .

وبينما كان في طريقه لمغادرة المحكمة محتجا ، واذا بمجموعة مسلحة من رجال قبيلة الدرسة تحيط به وتخرجه من مبنى المحكمة على مرأى من رجال الشرطة الذين كانوا يقومون بحراسته. اخذت هذه المجموعة حمد حسين الى منطقة "بطة" (مادلينا) الواقعة بعد المرج. وقد أُرسل عبدالحميد العبار ، رئيس مجلس الشيوخ ، وكبير العواقير الى قبيلة الدرسة ليفاوضها في أمر اطلاقه. وقد فرض مجلس القبيلة نفوذه على المتحمسين من اعضائها وسلموا حمد حسين الى السلطات .

ان قوات الشرطة، او على الاقل "القوة المتحركة" قد بدأت ترجع الى القيام باعمالها الاعتيادية كجمع المقامرين من الشوارع وغير ذلك من الجرائم الثانوية التي قد تسبب ازعا ج الامن والسلام" [انتهى الاقتباس من الوثيقة السادسة]

 

 ***   ***   ***

لقد انهارت التجربة الدستورية وبدأ افول، العرش السنوسي القائم عليها  يوم فاوض الرجل الذي يمثل اعلى سلطة ، بعد الملك ، من اجل استرجاع متهم هارب من العدالة، بدلا من ان توجه مفرزة من "القوة المتحركة" لاحضاره هو والذين اعتدوا على حرمة المحكمة .

و خيم الصمت على بنغازي. صمت ظنه البعض هدوءا وسكينة. ولكنه كان صمت قبور. فقد مات الامل في مستقبل وطني مزدهر مبني على العدالة والمساواة ،  ويسوده الحب والاخاء. ودفن حب الملك في قلوب غارقة في المرارة. واصبحت محاكمة ضباط الشرطة مسألة ثانوية لم يعد الاصرار عليها بنفس الدرجة السابقة ، فقد "وسع الخرق على الراتق" ولم يفقد العرش بنغازي فحسب في ذلك اليوم بل فقد طرابلس ودرنة كذلك ، فقد تيقن الجميع انهم لم يعودوا محكومين من قِبل الملك العادل التقي الذي يعرفون، بل من عصابة استحوذت عليه واستغلت ثقته وكبر سنه.  وذهبت الوحدة الوطنية ادراج الرياح واخذ كل قطاع في المجتمع يعمل لمصلحته بالطريقة التي يجيدها ويطمئن اليها ، بصرف النظر عن الصالح العام ، واصبح الشعب كما يقول المثل الليبي "الشامي شامي، والبغدادي بغدادي" وسهل على شباب المدن من حاملي الرتب العالية في الجيش التفكير في الانقلابات العسكرية والتخطيط لها، بالرغم من محبة واحترام الملك وتبجيله ، واصبحت اذانهم لكل ناعق. وما جاء انقلاب سبتمبر 1969 الا وهم في أقصى درجات الاستنفار لتقديم كل ما كان يفتقده اصحابه .

 

 ***   ***   ***

الوثيقة السابعة :

 

مذكرة من شعبة ليبيا بقسم شمال وشرق أفريقيا في وزارة الخارجية البريطانية بعنوان:

تقييم الوضع في ليبيا منذ الاضطرابات

إلى السفارة البريطانية في طرابلس ومكتب السفارة في بنغازي

رقمها الإشاري: 56/1015، تاريخها 5/02/1964 ، محفوظة في ملف رقم: FO371/178856

 

بما أن الاضطرابات في ليبيا تبدوا وكأنها خمدت الان فإن الوقت قد حان لتجميع ودراسة المعلومات المتوفرة لدينا من طرابلس و بنغازي، ولنرى فيما إذا كانت هناك بعض المسائل التي مازالت تحتاج الى مزيد من التوضيحات .

2) مصر والجزائر:

لم نسمع لحد الان أي شئ يذكر من اذاعة القاهرة او الجزائر، ولعلنا نستطيع القول باننا سوف لن نسمع شيئا من اي من الاذاعتين في المستقبل القريب ، وان الملك قد اختار الوقت المناسب بعد انتهاء مؤتمر القاهرة لعزل فكيني.

ولعلكم تعتقدون بانه من المستحسن الكتابة الى كل من القاهرة والجزائر للاستفسار عن امكانية تقديم تقارير عن رد فعل الحكومتين للحوادث في ليبيا.

3) بوقويطين:

اننا نعتقد، وكذلك الامريكان ايضا، بان الملك قد فُرض عليه الاختيار بين فكيني وبوقويطين ، ونحن نعلم بان قادة الجيش كانوا يريدون ذهاب بوقويطين. ويبدو واضحا ان هناك على الاقل بعض الجماعات البرقاوية من مؤيدي بوقويطين والملك ممن كانوا يحبذون تلك النتيجة. ولكن هذا لا يعني ان الملك على وشك ان يحيل بوقويطين على التقاعد.

4) ومن ناحية اخرى فان فقدان الكثير من اهالي بنغازي ( وطبعا هذا لا يعني القبائل البرقاوية) ثقتهم بالشرطة، والتي لازالت قوة دفاع برقة تشكل جزءا مهما منها ، سيكون له اثارا بعيدة المدى..

ان رد فعل بنغازي غير المتحمس لتعيين حسين مازق وونيس القذافي وحسين بالعون (وهم كلهم برقاويين) هو شئ مهم ايضا. ويبدو انه من المتوقع بان المشاحنات الاقليمية في ليبيا ستستبدل بما قد تكون مشاحنات بين القبائل وسكان المدن. والكثير سيتوقف على موقف الحكومة تجاه ضباط الشرطة الذين اوقفوا عن اعمالهم بعد حوادث بنغازي". [انتهى الاقتباس من الوثيقة السابعة]

 

***   ***   ***

الوثيقة الثامنة:

 

تقرير شامل من السفير البريطاني في طرابلس عن أحداث يناير 1964 بعنوان:

ليبيا : سقوط حكومة فكيني

يوزع على وزارة الخارجية ومجلس الوزراء

(سـرّي)

رقمها الإشاري: VT. 1015/41، تاريخها 10/02/1964 ، محفوظة في ملف رقم: FO371/178855

 

".........انه لمن التسرع ان نستقرئ المستقبل البعيد الان ، الا انه يبدو بأن التاريخ قد يسجل ان بداية المعارضة السياسية للنظام الحالي قد بدأت في شهر يناير 1964.

وان صح ذلك فان الحوادث الاخيرة قد قللت من احتمال اعتلاء ولي العهد للعرش (والذي لم يقم بأي دور يعتد به اثناء الاحداث). وبالتأكيد فان الاشهر القريبة القادمة ستكون ذات اهمية خاصة  في السياسة الليبية.

16) ان هذه الازمة تضطرنا لاعادة النظر في بعض مخططاتنا بعيدة المدى في ليبيا. فقد زادت من احتمال مواجهتنا في المستقبل بضرورة اتخاذ قرار فيما اذا سنتدخل علنيا لدعم النظام وولي العهد، أو ان نقف في معزل عن التطورات ونتحمل العواقب.

ان التصرف المزري لقوات الامن في بنغازي تجعلها في موضع شك من حيث قدراتها وامكانية الاعتماد عليها في الازمات. وهذا يعني احتمال تدخل الجيش الليبي، وهو ما سيخلق لنا المشاكل في المستقبل. وهذا يعني ايضا ان قوات الامن الليبية غير قادرة على فرض سيادة النظام والقانون بالوسائل المتعارف عليها، وذلك سيضطر قواتنا للتدخل من اجل المحافظة على المصالح البريطانية في اقرب مما تتوقعه مخططاتنا الامنية ((...........))" .[انتهى الاقتباس من الوثيقة الثامنة]

 

***   ***   ***

الوثيقة التاسعة:

 

من مكتب السفارة البريطانية في بنغازي إلى السفارة في طرابلس (سرّي)

رقمها الإشاري: 1014/64، تاريخها 12/02/1964 ، محفوظة في ملف رقم: FO371/178856

 

أعزاءنا في السفارة،

اجتمع الوزراء الخمسة الذين اوفدوا إلى هنا مؤخرا بخصوص حوادث الشهر الماضي، في السابع من فبراير في بيت حسين مازق ، احد هؤلاء، الوزراء. وكان من بين الذين حضروا الاجتماع:  عبدالحميد العبار، رئيس مجلس الشيوخ ، واقرباء الطلبة الذين قتلوا ، وشيوخ القبائل التي ينتمون اليها. قبيلة قزير التي ينتمي اليها النقاز، وقبيلة بلالة التي ينتمي اليها كل من البيجّو وبن حريز. وقد سئلت عوائل القتلى فيما اذا كانوا على استعداد لقبول الدية عن اولادهم الذبن قتلوا ، وقد رفضت عائلة البيجّو واصرت على معاقبة قاتل ابنهم ، اما عائلتي النقاز وبن حريز فقد وافقتا على دراسة الموضوع.

2) وصفت صحيفة "سيرينايكا ويكلي نيوز" زيارة اللجنة الوزارية الجديدة بانها لمتابعة التحقيقات الرسمية في الحوادث الاخيرة. وقد ساد التكتم الشديد على نشاط اللجنة ، وفيما عدا الديات التي عرضتها (علىعوائل القتلى) فانها تعمل على اعادة الثقة بين الشعب وقوات الشرطة ، وعلى تهدئة الوضع بصفة عامة .

وعلى اية حال ، فنظرا لعرض الديات بدون اشارة الى معاقبة المسؤولين (عن الحوادث ) فإن الناس بدأوا يشكون بجدية الحكومة في اخذ اجراءات ضد ضباط الشرطة الموقوفين ، بالرغم من تاكيدات وزير العدل باجراء المحاكمة بصوره علنية.

ان المخاوف التي تحيط باحتمال تلكأ الحكومة قد ازداد بتوارد اخبار مفادها ان قبيلة الدرسة حذرت عبدالحميد العبار من تعريض حمد حسين الى اي ضرر، وان عوائل المقتولين حُذرت من عدم قبول الديات ، وأن رجال القبائل سيأتون الى المدينة في عيد الفطر باعداد اكثر من المعتادة ليستعرضوا وجودهم.

3) ان الموطفين الصغار عبروا بصراحة عن استيائهم من الطريقة التي اتبعتها الحكومة في تسيير الوضع، ويشعرون بان القبائل قد سُمح لها بان تنتهج طريقها الخاص ولذلك فان البلاد لم تحرز اي تقدم على الاطلاق.

4) لازالت الصحيفة الرسمية "برقة الجديدة" تنشر برقيات التأييد الكثيرة التي ترسلها المجموعات القبلية للملك ، ولكنها لم تنشر البرقية الوحيدة التي ارتأت صحيفة "لرقيب" المستقلة  الاشارة اليها. وقد وقع هذه البرقية 64 شيخا يزعمون بأنهم يمثلون 72000 من رجال قبيلة العبيدات ، وهي تشجب ماوقع من حوادث في بنغازي ولكنها في نفس الوقت تدين التحالف القبلي، واولئك الذين يسعون الى زرع الشقاق بين القبائل وسكان المدن. وعلينا ان ننظر الى تلك البرقية على ضوء رسالة سابقة بعثها عدد من الشخصيات باسم مجموعة قبائل الحرابي (والتي تضم قبائل العبيدات، والبراعصة ، والحاسة . والدرسة ، وعيلات فايد) وكانت تؤكد تضامن هذه المجموعة القبلية مع الملك ووزارته الجديدة .

5) في الوقت الذي قد يُشك فيما اذا كان الموقعين على برقية العبيدات هم اكثر صدقا في ادعائهم بالتعبير عن كل القبيلة من ادعاء فضيل بريدان (عضو مجلس الشيوخ) الذي وقع عن القبيلة مع الحرابي، فإن نشر البرقية الثانية مع ما اضيف اليها من اسماء الموقعين هي شاهد كاف لوجود وجهة نظر لمجموعة مهمة من العبيدات تعارض فكرة التكتل القبلي. وانه لمن المهم ان نتذكر ايضا بان العبيدات ، ليس كما هي الحال مع البراعصة وغيرها من قبائل الجبل ، لم تحبذ مشروع البيضاء وكانت متعاطفة مع فكينى.

6) ويُعتقد ان عبدالقادر العلام كان المحرك الرئيسي لبرقية العبيدات ، بالرغم من انه لم يوقع عليها ((....))

سنبعث بنسخة من هذا التقرير الى قسم شمال وشرق افريقيا" [انتهى الاقتباس من الوثيقة التاسعة]

 

 ***   ***   ***

الوثيقة  العاشرة :

 

من السفارة البريطانية في ليبيا (مكتب بنغازي) إلى طرابلس

رقمها الإشاري: 64/1015، تاريخها 19/02/1964 ، محفوظة في ملف رقم: FO371/178856

 

اشارة الى برقيتنا رقم (57) والمؤرخة في 18 فبراير حول "اضراب" اصحاب المتاجر في دعمهم لطلاب الجامعة وتلاميذ المدارس بعدم رجوعهم الى فصولهم الدراسية ، افيدكم علما بان المتاجر اعادت فتح ابوابها هذا اليوم .

2) لقد بدأت الحادثة عندما اعلنت وزارة التربية والتعليم في اليوم الثامن عشر من فبراير ان المعاهد الدراسية ستفتح ابوابها.. واعلنت هيئة طلابية بان طلاب الجامعة وتلاميذ (وليس تلميذات) المدارس سوف لن يرجعوا الى معاهدهم الا بعد ان تأخذ العدالة مجراها بحق ضباط الشرطة المسؤولين عن حوادث القتل في بنغازي. وكذلك فان الهيئة طالبت بسن دستور للطلاب يعطيهم الحق باقامة مظاهرات سلمية ويضمن لهم الامان في الجامعة. واعلن تلاميذ المدارس الثانوية ايضا انهم سوف لن يرجعوا الى فصولهم الدراسية الا اذا جاء الملك لزيارة مدارسهم ليرى بنفسه مدى الاضرار التي سببتها الشرطة.

3) ومرة اخرى وصلتنا اخبار تفيد بأن الطلاب الطرابلسيين يرفضون العودة الى بنغازي ويطالبون باكمال دراستهم في طرابلس.

4) الوضع هادئ ولكنه مشوب بالقلق في وقت كتابة هذا التقرير. وهناك رأي ينمو، واشاعات تروج انه ليس في نية الملك تحقيق العدالة الكاملة بحق ضباط الشرطة الموقوفين عن العمل. ويعتقد الناس بان الملك سيضحي بالمدينة من اجل ارضاء.القبائل.

5) وان لم تنزل عقوبات صارمة ، فلا بد وان تقوم اضطرابات في بنغازي، وان أنزلت مثل هذه العقوبات فستحدث مشاكل مع القبائل وخاصة قبيلة "الدرسة ".

6) جاء الى. علمنا ان مجموعات مختلفة تستغل الاضطرابات لتنشر شعاراتها وتروج لها. وهذه المجموعات هي : البعث والناصريين والاخوان المسلمين والشيوعيين - يعني كل المشاغبين.

واعتقد بان البعثيين والناصريين (ومن الصعوبة التفريق بينهما في ليبيا) هما الاكثر نشاطا. ويرى بعض الناس ان "الاخوان المسلمين" كانوا وراء الطلب الذي قدم الى الدكتور فكيني ، ووقع من قبل 250 شخصا، يدعوا الى محاربة الدعارة وغلق النوادي الليلية. وقد نشرت جريدة ´´برقة الجديدة ´´ خبر هذا الطلب فى اليوم الثالث عشر من فبراير. اما بالنسبة للشيوعيون فقد يكون هناك عدد منهم فى الجامعة" . [انتهى الاقتباس من الوثيقة العاشرة]

 

***   ***   ***

وفجأة تفقد الوثائق البريطانية حماسها في متابعة ما يجري بالمملكة الليبية بخصوص احداث بنغازي ، وتتجه لملاحظة اول خطوات تنفيذ مخطط اميركي تشير اليه الوثيقة رقم: 78G/1015VT.، المحفوظة في ملف رقم: FO371/178856  باسم "أربعة تربيع"، وملخصه شروع الولايات المتحدة في البحث عن بديل لنظام الحكم ، بعد ان فشلت في استدراج ولي العهد لاستغلال حالة البلبلة وإلاضطراب في البلاد وانتزاع العرش من عمه .

 

انني في كتابتي هذه مجرد ضيف على هذه الصفحة الكريمة ، ومن منطلق المثل الشعبي الليبي الذي يقول "ضيف لَجْواد ايضَـيّـف" ادعوكل شهود العيان ، ومَن شارك في صناعة القرار اثناء احداث بنغازي في بداية سنة 1964 ، ومن بحوزته وثائق بالخصوص من الليبيين الموجودين في المهجر، ان يكتبوا لـ "الحياة" بمعلوماتهم خدمة للتاريخ وشرحا للظروف والملابسات وتوضيحا للحقيقة وتجميعا للمعلومات[3]. وارجو الا تعيقنا الاصوات التي تنادي من هنا وهناك بين الحين والاخر ان مواضيع ومصارحات مثل هذه لا تخدم القضية الآن ، وان الوقت غير مناسب للخوص فيها. فانه لا يوجد وقت غير مناسب لقول الحق. والصراحة والصدق في دراسة ورطتنا لن ينجم عنهما الا وعي وادراك ينتجان فهماً   يُعين   على ايجاد المخرج منها ويُحصن من الانزلاق في مثلها.

________________

[1] بالامكان مطالعة تغطية صحيفة "العمل" لهذه الأحداث باتباع هذه الوصلة :

http://www.libya-watanona.com/news/ldc/ld210110a.htm

[2] تفتقر المعلومات الواردة في رسالة ناجي مصطفى عبد الرحيم وتقسيمه لسكان مدينة بنغازي إلى الدقة، ولكن ذلك لا يُخلّ بصلب موضوع المقال.

[3] تجدر الاشارة إلى أنه لم يتجاوب احد مع هذه الدعوة، ولم يتم استغلال الفرصة التي اتاحتها صحيفة "الحياة" التي أبدت حماساً شديدا في ذلك الوقت – قبل عصر الأنترنت - لمتابعة عواقب تلك الأحداث الخطيرة وتأثيرها في مصير النظام الملكي ومستقبل ليبيا، وتمهيدها للطريق امام انقلاب سبتمبر بتهيئتها للرأي العام لاستقباله.

 

 

 

 

 

صادر عن الاتحاد الدستوري الليبي

lcu@lcu-libya.co.uk

29 يناير 2010

* أعيد نشر هذا المقال على المواقع الليبية

 "ليبيا وطننا" بتاريخ 29 يناير 2010 و "ليبيا المستقبل"   بتاريخ 30 يناير 2010

 
 
 

Copyright © 1999 LCU. All rights reserved.
Revised: December 04, 2013